سورة هود - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)} [هود: 11/ 25- 31].
كان قوم نوح عليه السّلام يعبدون الأوثان ونحوها، فأرسل الله إليهم نوحا يدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده، فقال لهم: إني لكم منذر واضح، أنذركم عذاب الله وبأسه إن أنتم عبدتم غير الله، فآمنوا به وأطيعوا أمره، ولا تعبدوا غيره، ولا تشركوا به شيئا، إني أخشى عليكم الوقوع في عذاب يوم شديد الألم، هو يوم القيامة.
فأوردوا عليه أربع شبهات:
الشبهة الأولى- بشرية الرسل: قال أشراف القوم وزعماؤهم: ما أنت يا نوح إلا بشر مثلنا، ولست بملك، فلا مزية لك علينا حتى نطيعك في أمرك.
الشبهة الثانية- أتباعك أراذل القوم. لم يتبعك إلا الأخسّاء أصحاب الحرف الخسيسة كالزّرّاع والصّنّاع، وهم الفقراء والضعفاء، في بادي الأمر وظاهره دون تأمل ولا تفكر ولا تدبّر في عواقب الأمور، ولو كنت صادقا لاتّبعك الأشراف والكبراء.
الشبهة الثالثة- لا فضل لك علينا: ما رأينا لكم علينا امتيازا في فضيلة أو قوة أو نروة أو علم أو عقل أو جاه أو رأي، يحملنا على اتّباعك.
الشبهة الرابعة نتهمك بالكذب: يترجح لدينا كذبكم في ادّعائكم الصلاح والسعادة في الآخرة. ويلاحظ أنهم خاطبوه بصيغة الجمع لإشراك أتباعه معه في التّهم.
أجابهم الله عن شبهاتهم فيما حكاه عن نوح عليه السّلام قائلا: أخبروني يا قوم عن ماذا أفعل إن كنت على يقين وحجة ظاهرة فيما جئتكم به من ربّي، وآتاني رحمة من عنده وهي النّبوة والوحي، فخفيت عليكم، فلم تهتدوا بها، ولا عرفتم قدرها، أنكرهكم على قبولها، وأنتم لها كارهون، معرضون عنها؟! ويا قوم، لا أطلب منكم مالا على نصحي لكم، أي أجرا آخذه منكم، وإنما أجري على الله عزّ وجلّ. وليس من شأني طرد المؤمنين برسالتي، وتنحيتهم من مجلسي. وهذا إعلان المساواة في الكرامة بين الناس من غير امتياز للأغنياء. إن هؤلاء الأتباع سيلقون ربّهم، ويحاسبهم على أعمالهم، كما يحاسبكم، ويعاقب من طردهم، وأراكم قوما جهلة في مطالبتكم بطردهم من مجلسي، فإن المفاضلة بين الناس إنما هي بالعمل الطيب الصالح، لا بالثروة والجاه كما تزعمون.
ويا قوم من ينصرني من عذاب الله إن طردتهم، فذلك ظلم عظيم، أفلا تتعظون وتتفكرون فيما تقولون؟! وتوابع النّبوة وتملك الثروة غير متوافرين لدي، فلا أقول لكم بموجب النّبوة: إني أملك خزائن رزق الله، وأتصرّف فيها، ولا أعلم من الغيب إلا ما أطلعني الله عليه، ولست أحد الملائكة، ولا أستطيع القول لهؤلاء الذين تحتقرونهم: لن ينالهم خير، وليس لهم ثواب على أعمالهم، الله أعلم بما في صدورهم وبواطنهم من القصد الحسن والنّية الطيبة، فإن تطابق باطنهم مع ظاهرهم، كان لهم الحسنى، وإن حكمت على سرائرهم بغير دليل ظاهر، كنت ظالما قائلا ما لا أعلم به. والخلاصة:
إن نوحا قصر مهمته على تبليغ الوحي بالنّبوة، وأخبرهم عن تواضعه أمام الله عزّ وجلّ.
2- استعجال العذاب من قوم نوح:
يقع أتباع الرّسل وأقوامهم في الحماقة والطيش حينما يعادون رسولهم، ويصفونه بأوصاف كاذبة، ويلصقون به التّهم الباطلة، لتسويغ ضلالهم وزيغهم، ومن هؤلاء الحمقى: قوم نوح حينما انهزموا أمام حجته الدامغة، أوردوا عليه أمرين: الأول- أنه أكثر جدالهم، والثاني- مطالبتهم بالعذاب الذي توعدهم به. وأدى هذان الأمران إلى إعلان نوح اليأس من إجابتهم لدعوته، وزعمهم أن نوحا افترى هذا التوعد بالعذاب، وأراد الإرهاب عليهم بذلك. وهذا ما سجّله القرآن الكريم عليهم في الآيات التالية:


{قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)} [هود: 11/ 32- 35].
الكلام عن قوم نوح تصوير دائم لأحوال مشابهة للكفرة في كل زمان ومكان، فما صدر من قوم نوح متجسد في أحداث التاريخ، وعقلية الأقوام المتلاحقة، فليست القضية إذن مجرد تاريخ للعبرة، وإنما هي صورة متكررة معادة لدى بعض الناس في أفكارهم وسلوكهم، ما دام خطاب القرآن واحدا.
والمعنى: قال قوم نوح له: قد طال منك هذا الجدال، وهو المراجعة في الحجة ومقابلة الأقوال ومناقشتها حتى تقع الغلبة، فأتنا بما تعدنا به من العذاب والهلاك المعجل في الدنيا، إن كنت صادقا في ادّعائك أن الله يعذبنا على عصيانه في الدنيا قبل الآخرة.
والجدال نوعان: محمود ومذموم مكروه، أما المحمود: فهو ما كان بالحسنى مع إنسان يطمع بالجدال أن يهتدي، ومنه قوله تعالى: {وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النّحل: 16/ 125]. وأما الجدال المذموم أو المكروه: فهو ما يقع بين المسلمين بعضهم مع بعض في طلب علل الشرائع، وتصور ما يخبر به الشرع من قدرة الله. وقد نهى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، وكرهه العلماء.
أجاب نوح قومه عن اتّهامه بكثرة الجدال قائلا: ليس إنزال العذاب أو العقاب بيدي، وليس لي توقيته، وإنما ذلك بيد الله، وهو الآتي به إن شاء وإذا شاء، ولستم من المنعة بحال من يفلت أو يعتصم لتنجوا، وإنما أنتم في قبضة القدرة الإلهية، وتحت سلطان الملك الإلهي، وليس نصحي بنافع، ولا إرادتي الخير لكم مغنية إذا كان الله تعالى قد أراد بكم الإغواء والإضلال والإهلاك، الله ربّكم، أي خالقكم والمتصرّف في أموركم، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور، وإليه ترجعون في الآخرة، فيجازيكم بما كنتم تعملون في هذا العالم من خير أو شرّ.
ومعنى قوله تعالى: {إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} بيان ربط الأسباب بالمسببات، فمن تسبب في الضّلال والغواية أضلّه الله، وليس معنى الآية: أن الله يخلق الغواية والشقاوة فيهم، فذلك منوط بالعمل والكسب، والنتائج متوقفة على المقدمات.
وقوله سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} إما اعتراض في قصة نوح، كما ذكر الطّبري وغيره، وهي في شأن محمد صلّى اللّه عليه وسلّم مع كفار قريش الذين قالوا: افترى محمد القرآن، وافترى هذه القصة على نوح، فنزلت الآية في ذلك. ويحتمل كون الكلام في شأن نوح عليه السّلام، فإن قومه زعموا أن العذاب الذي توعّدهم به أمر مفترى بقصد إرهابهم، فيصبح اتّساق الآية مطّردا غير معترض. فأجابهم الله تعالى بأن النّبي إن افترى هذا الادّعاء بنزول العذاب، فعليه تبعة قوله وهو مسئول عن ذنبه وجرمه، وهو بريء من جرائم قومه وآثامهم، وسيجزيهم الله على أعمالهم، والنبي أعلم بما عند الله من عقوبة المكذبين، وكل إنسان مسئول عن ذنبه، كما جاء في آية أخرى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)} [يونس: 10/ 41].
والراجح أن آية {أَمْ يَقُولُونَ} هو من محاورة نوح لقومه، كما قال ابن عباس، لأنه ليس قبل هذا الكلام ولا بعده إلا ذكر نوح وقومه، والخطاب منهم ولهم، وهم يقولون: افترى ما أخبركم به من دين الله، وعقاب من أعرض عنه.
والحقيقة أن حكاية هذه الأوضاع ستظل في سجلّ التاريخ صورة للمعارضين دعوة الأنبياء، وستكون عاقبة المعارضة أو الاتّهام بالباطل لنبي هي التعرض للعذاب.
3- يأس نوح من قومه وصنعه السفينة:
تجاوز قوم نوح الحدود المعقولة، وتغالوا في الإعراض عن نوح عليه السّلام، ورفضوا دعوته رفضا عنيدا، واستبدادا وتكبّرا، فيئس نوح من هدايتهم وإجابتهم لدعوته، فمهّد ذلك لإغراقهم وإهلاكهم، بسبب سخريتهم وتهكمهم، وبدأ الإعداد بصنع السفينة لنجاة نوح ومن آمن معه. وهذا ما وصفه القرآن الكريم في الآيات التالية:


{وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)} [هود: 11/ 36- 41].
أخبر الله تعالى بوحيه إلى نوح عليه السّلام أنه لن يؤمن أحد من قومك بدعوتك إلا من قد آمن سابقا، وهم قلّة قليلة، فلا تحزن عليهم، ولا يهمنك أمرهم، فدعا عليهم نوح بإذن ربّه وبعد هذا الوحي قائلا: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح: 71/ 26].
واصنع السفينة برعايتنا وحفظنا وحراستنا وبتعليمنا لك ما تصنعه لتنجو بها مع المؤمنين، وكيلا تخطئ، ولا تراجعني يا نوح ولا تدعني في شأن قومك ودفع العذاب بشفاعتك، فقد وجب عليهم العذاب، وتم الحكم عليهم بالإغراق.
وبدأ نوح عليه السّلام بصنع السفينة، وكلما مرّ عليه جماعة من أشراف قومه، استهزءوا به ومن صناعته، وكذبوا بما توعّدهم به من الغرق، فقال نوح على سبيل الوعيد والتهديد الأكيد: إن تسخروا منا لصنع هذه السفينة، فإنا سنسخر منكم في المستقبل حين الغرق، كما تسخرون منا الآن، فسوف تعلمون قريبا بعد تمام العمل من يأتيه عذاب يهينه في الدنيا، وهو عذاب الغرق، ويحل عليه عذاب مقيم، أي دائم مستمر.
حتى إذا حان وقت مجيء أمرنا بالهلاك من المطر الغزير، ونبع الماء من التّنور:
موقد الخبز أو وجه الأرض، وارتفع كما تفور القدر بغليانها، وكان ذلك علامة لنوح عليه السّلام، كما جاء في آية أخرى: {فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13)} [القمر: 54/ 11- 13].
وقلنا لنوح: احمل في السفينة من كل نوع من الحيوان زوجين اثنين: ذكرا وأنثى، حفاظا على أصل النوع الحيواني، واحمل فيها أهل بيتك إلا امرأتك وابنك: كنعان، وهما من سبق عليه القول واستقرّ عليه الحكم بأنه من أهل النار، لاختياره الكفر وإبائه الإيمان، لا لتقديره عليه.
وخذ معك من آمن من قومك، وإن لم يؤمن إلا عدد قليل، أو نزر يسير، مع طول المدة واستمرار دعوتهم إلى الإيمان ألف سنة إلا خمسين عاما. وكان المؤمنون ثمانين نفسا، منهم نساؤهم.
وأخبر الله تعالى نوحا عليه السّلام أنه قال لمن حملهم في السفينة أن يدعوا: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 11/ 41]. أي باسم الله وبركته يكون جريها على سطح الماء، وباسم الله يكون منتهى سيرها، وهو رسوها على مرفأ آمن، بتسخير الله وقدرته، إن ربي غفور لذنوب عباده التائبين، رحيم بهم، فلولا مغفرته لذنوب عباده ورحمته بهم لما نجاكم. وذكر المغفرة والرحمة بعد ذكر حكم الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين هو شأن القرآن في بيان الأضداد والمتقابلات، كما في آية: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 7/ 167]. وآية المغفرة والرحمة في هذا المقام الخطير وقت الإهلاك والغرق في غاية الإشعار بفضل الله ورحمته على عباده المؤمنين الذين نجاهم.
أما الطوفان: ففي ظاهر الروايات وكتب التفاسير أنه نال جميع أهل الأرض المأهولة قديما، وعم الماء جميع المعمورة، كما ذكر ابن عباس وغيره، ويوجب ذلك أمر نوح بحمل الأزواج من الحيوان، خوف فناء أجناسها من جميع أنحاء الأرض.
4- رحلة سفينة نوح:
كانت سفينة نوح أول سفينة في التاريخ، وكانت رحلتها أول رحلة بحرية لمسافة طويلة، تكتنفها المخاطر، وتحيط بها الجهالة والغموض، والتّكهنات، لكن أمان الله ووعده بنجاة المؤمنين كان بردا وسلاما، وحماية من القلق والخوف. وتم أمر الله ومراده ونجت السفينة، وهبطت في مكان آمن، وكان ابن نوح من امرأته مثلا للجحود والعناد ومحاولة الإفلات من الغرق، فطالته بسهولة إرادة الله، وكان من الهالكين. صوّر القرآن الكريم هذه الرحلة الأولى لسفينة نوح عليه السّلام في الآيات التّالية:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8